كيف تخرج الدهون من الجسم
تُعدّ الدهون من العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم للقيام بوظائفه الحيوية، لكنّ تراكمها بكميات زائدة، خاصة في الأنسجة الدهنية، يُشكّل تحدياً صحياً خطيراً يرتبط بزيادة الوزن والسمنة والأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب. التخلص من الدهون الزائدة لا يتم بشكل فوري أو بسيط، بل هو عملية بيولوجية معقدة تشارك فيها العديد من الأجهزة والهرمونات والعمليات الخلوية. لفهم كيفية خروج الدهون من الجسم، لا بد من التعمق في الآليات الفيزيولوجية التي تتحكم في حرق الدهون وتحويلها إلى طاقة، ثم في طرق التخلص من نواتج هذه العمليات.
التمثيل الغذائي للدهون: نظرة أولية
عندما يستهلك الإنسان طاقة (سعرات حرارية) أقل مما يحتاجه الجسم، يبدأ الجسم في استهلاك مخزونه من الدهون للحصول على الطاقة. تُخزّن الدهون في الخلايا الدهنية على شكل “دهون ثلاثية” (Triglycerides)، وعندما يحتاج الجسم إلى الطاقة، يقوم بتكسير هذه الدهون وتحويلها إلى أحماض دهنية وغليسرول. تُنقل هذه المكونات عبر الدم إلى الأنسجة التي تحتاج إلى الطاقة، مثل العضلات، وهناك تُستخدم لإنتاج الطاقة عبر عملية تُعرف بـ الأكسدة.
المراحل الرئيسية لخروج الدهون من الجسم
1. تحلل الدهون (Lipolysis)
المرحلة الأولى في التخلص من الدهون هي عملية تحلل الدهون المخزنة. تتم بإشراف عدة هرمونات أبرزها:
-
الأدرينالين (Adrenaline)
-
النورأدرينالين (Noradrenaline)
-
الجلوكاجون (Glucagon)
-
الكورتيزول
تحفز هذه الهرمونات إنزيم “الليباز الهرموني المحسس” (Hormone-sensitive lipase) الذي يقوم بتكسير الدهون الثلاثية داخل الخلايا الدهنية إلى أحماض دهنية حرة وغليسرول.
2. نقل الأحماض الدهنية إلى الخلايا
بعد التحلل، تنتقل الأحماض الدهنية الحرة إلى مجرى الدم وترتبط ببروتين يسمى “الألبومين”، الذي يعمل على نقلها إلى الأنسجة العضلية أو الكبد حيث تُستخدم لإنتاج الطاقة.
3. أكسدة الأحماض الدهنية (Fatty Acid Oxidation)
بمجرد دخول الأحماض الدهنية إلى الخلايا، تمر بعملية تعرف بـ “بيتا-أكسدة” داخل الميتوكوندريا، حيث تتحول إلى مركبات تُستخدم في دورة كريبس لإنتاج مركبات الطاقة (ATP)، وثاني أكسيد الكربون (CO₂)، والماء (H₂O).
4. خروج نواتج الأيض من الجسم
بعد استهلاك الدهون لإنتاج الطاقة، لا تبقى “الدهون” بحد ذاتها داخل الجسم، بل تتحول إلى نواتج نهائية يتم التخلص منها عبر عدة وسائل:
-
ثاني أكسيد الكربون: يُطرح عن طريق الزفير عبر الرئتين.
-
الماء: يُطرح عن طريق البول، العرق، والبراز.
هذه المرحلة تمثل الإجابة البيولوجية الدقيقة على سؤال “أين تذهب الدهون؟”؛ إذ تخرج بمعظمها على شكل ثاني أكسيد الكربون والماء.
الجدول التالي يلخص آلية خروج الدهون من الجسم:
| المرحلة | المكون المتحول | الناتج النهائي | طريقة الطرح من الجسم |
|---|---|---|---|
| تحلل الدهون | دهون ثلاثية | أحماض دهنية + غليسرول | عبر الدم |
| أكسدة الدهون | أحماض دهنية | ثاني أكسيد الكربون + ماء + طاقة | الزفير، البول، العرق |
| التخلص من الفضلات | CO₂ + H₂O | يتم إخراجها | الزفير، العرق، البول |
العوامل المؤثرة في كفاءة التخلص من الدهون
1. النشاط البدني
يُعدّ النشاط البدني، خصوصاً التمارين الهوائية مثل المشي السريع، الركض، السباحة وركوب الدراجة، محفزاً رئيسياً لعملية أكسدة الدهون. خلال التمارين، يزداد الطلب على الطاقة، مما يدفع الجسم لاستخدام الدهون كمصدر رئيسي للطاقة.
2. النظام الغذائي
اتباع نظام غذائي منخفض السعرات وعالي بالبروتين ومنخفض بالكربوهيدرات البسيطة يُشجع الجسم على استخدام الدهون كمصدر للطاقة. الصيام المتقطع والأنظمة منخفضة الكربوهيدرات (مثل الكيتو) تسرع من دخول الجسم في حالة “الكيتوزيس”، وهي حالة يبدأ فيها الجسم باستهلاك الدهون المخزنة.
3. الكتلة العضلية
كلما زادت الكتلة العضلية، زاد معدل الاستقلاب الأساسي (BMR)، مما يعني أن الجسم يحرق سعرات أكثر حتى في حالة الراحة، ما يسهم في استخدام مخزون الدهون.
4. النوم والراحة
قلة النوم تؤثر سلباً على هرمونات مثل اللبتين والغريلين، مما يزيد من الشهية ويقلل من قدرة الجسم على التخلص من الدهون بفعالية.
5. العوامل الهرمونية والجينية
الاختلافات الهرمونية (مثل قصور الغدة الدرقية أو مقاومة الإنسولين) والجينات تلعب دوراً كبيراً في قدرة الجسم على حرق الدهون والتخلص منها.
أين تتراكم الدهون في الجسم؟
-
الدهون الحشوية (Visceral fat): تتراكم حول الأعضاء الداخلية مثل الكبد، البنكرياس، والقلب. هذه الدهون خطيرة وترتبط بأمراض القلب والسكري.
-
الدهون تحت الجلد (Subcutaneous fat): تتراكم تحت الجلد في مناطق مثل البطن، الفخذين، الأرداف.
-
الدهون البنية (Brown fat): أقل شيوعاً، وتوجد بكميات قليلة في الجسم، لكنها تستهلك طاقة لإنتاج حرارة.
كل نوع من هذه الدهون يتفاعل بطريقة مختلفة مع جهود فقدان الوزن، حيث تعتبر الدهون الحشوية أكثر استجابة للنشاط البدني، بينما تكون الدهون تحت الجلد أكثر عناداً.
تقنيات تعزيز حرق الدهون
1. تمارين المقاومة (Weight Training)
ترفع الكتلة العضلية وبالتالي تزيد من الاستهلاك الكلي للطاقة. بعد التمرين، يبقى الجسم في حالة زيادة الحرق لساعات.
2. تمارين HIIT (التمارين المتقطعة عالية الشدة)
أظهرت دراسات أن تمارين HIIT ترفع معدل الأيض القاعدي وتحفز أكسدة الدهون بشكل كبير مقارنة بالتمارين التقليدية.
3. التعرض للبرد
أظهرت أبحاث أن التعرض للبرد المعتدل قد يحفّز نشاط الدهون البنية، والتي تستهلك الطاقة لتوليد حرارة.
4. تناول الكافيين والمواد المحفزة للاستقلاب
الكافيين والشاي الأخضر والزنجبيل تساهم في رفع معدل الاستقلاب، وبالتالي في تعزيز حرق الدهون.
هل تتحول الدهون إلى عضلات؟
الاعتقاد الشائع بأن الدهون تتحول إلى عضلات غير صحيح علمياً. الدهون والعضلات أنسجة مختلفة تماماً. يمكن للجسم أن يفقد دهوناً ويبني عضلات في آن واحد، لكن هذه العمليات مستقلة. التخلص من الدهون يتم عن طريق الأيض والإخراج، بينما بناء العضلات يتطلب تمارين مقاومة وكمية كافية من البروتين.
دور الكبد والكلى في التخلص من الدهون
-
الكبد: يلعب دوراً مركزياً في استقلاب الدهون وتحويلها إلى كيتونات (خاصة في حالات الصيام أو الأنظمة الكيتونية).
-
الكلى: تساهم في التخلص من نواتج الأيض مثل اليوريا والماء الزائد.
تأثير نقص تناول السعرات على التخلص من الدهون
نقص السعرات الحرارية يخلق “عجزاً حرارياً” يجبر الجسم على اللجوء إلى مخازن الدهون كمصدر للطاقة. غير أن النقص الشديد أو المفاجئ في السعرات قد يؤدي إلى فقدان الكتلة العضلية أولاً، لذا يُنصح بفقدان الوزن بشكل تدريجي ومنظم مع الحفاظ على تغذية متوازنة.
مصادر ومراجع
-
Scientific American – “When You Lose Weight, Where Does the Fat Go?” (https://www.scientificamerican.com/article/when-you-lose-weight-where-does-the-fat-go/)
-
National Institutes of Health (NIH) – Obesity and Metabolism Research
كلمات مفتاحية: التخلص من الدهون، عملية الأيض، حرق الدهون، أكسدة الدهون، السعرات الحرارية، الكيتوزيس، الدهون الحشوية، النظام الغذائي، النشاط البدني، الكتلة العضلية
